المقالات و البحوث النملة المثقف الاجتماعى
كم هو جميل أن يكون المسؤول ماهرًا في نطاق اختصاصه، وكم هو رائع حينما يكون مثقفًا في مجال عمله. شهد قطاع الإدارة في «المملكة العربية السعودية» كوكبة مضيئة من رجالٍ مخلصين، تسنموا مسؤولية قطاعات هامة، وأداروها بكل مهنية واقتدار. اعتنقوا مبادئ «المملكة « السامية، وتشربوا قيمها الرفيعة. وكانوا عونًا لولاة الأمر في حمل الأمانة، مساعدين لهم في تحمل المسؤولية. من أولئك «الرجال» من قضى نحبه وسبقنا إلى جوار ربه، ومنهم من هو بيننا، نأنس بفكره، وننهل من خبرته، ونستمد المشورة من حكمته. عشق الوطن فالتصق بأرضه، وأحب المجتمع فاقترب منه. «معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة» أحد أولئك «الأعلام» الذين قدموا خدمات جليلة للقطاعات التي تبوؤا مسؤولياتها ولست هنا بصدد استعراض سيرة «معاليه» العملية العطرة وإن كانت تستحق التوقف عندها، والإشادة بها، وإنما سأستحضر قرينه الثقافي، وأقرأ في فتجان فكره العميق. فوجدته مسكونًا بعفريتٍ من العِلْم. أولى «أدب الاستشراق» شطرًا كبيرًا من اهتمامه البحثي، وحلق في هذا الفضاء الواسع بموضوعية شديدة، فألف فيه عددًا من المصنفات. لم يبالغ بالقدح، ولم يغالي بالمديح، لم يجعل للأيديولوجيا سلطانًا عليه، ولم يُشرِع للشوفينية منفذًا إليه، بل اتخذ موقف الناقد الموضوعي، وقام بدور الباحث النزيه. وفي سبيل التسلل إلى مغارات «الدكتور علي بن إبراهيم النملة» الفكرية – خاصة - في مجال التنمية الاجتماعية، فقد استعنت بمصباح «العمل الاجتماعي والخيري.. التنظيم – التحديات – المواجهة» ذلك الكتاب – بطبعته الأولى - الذي سطره معاليه، عاكسًا فكره الخلَّاق، حين أبحر في هذا اْليَم اللُجِّي، بمفاهيمه الواسعة، ودلالاته العميقة. فقد عرَّفَ التنمية الاجتماعية بأنها تعني (الارتقاء بالإنسان - في جميع شؤونه الحياتية - لتحقيق الرفاه الاجتماعي). وقال (إن إدارة العمل الاجتماعي لا تخرج عن كونها وسيلة لتحقيق الرفاه الاجتماعي، ومتى ما اتُّخذت الإدارة غاية لذاتها كان هذا على حساب فاعلية العمل الاجتماعي، وإذا كانت المركزية مطلوبة في بعض الأعمال فإنها في إدارة العمل الاجتماعي تحد من الإبداع والمبادرة في تقديم الخدمات، وتقيد العاملين بكثرة الإجراءات والنماذج، ومن ثم يتأثر العمل الاجتماعي عند تطبيق المركزية في الإدارة الاجتماعية). وفي نظرة ثاقبة عبر منظار فلسفي عميق يرى «الدكتور النملة» بأن (العراقة والمأسسة لا تتحقق - للعمل الاجتماعي – إلا بالتطوير والتقويم المستمرين للأداء والخدمات. هذه العراقة تتكوًّن مع الوقت والتجربة والخبرة والممارسة، بما في ذلك الوقوع في الأخطاء غير المتعمدة، ثم العمل على معالجة هذا التقصير والأخطاء، عن طريق الطرح العلمي الموضوعي القائم على المواجهة الإيجابية لهذه الهِنَّات التي تعتري العمل الاجتماعي أحيانًا، من حيث برامجه ومن حيث العاملون به، وجلهم من المتطوعين، تتبنَّاه الهيئات الاجتماعية، في مواجهة مباشرة لما يعتري العمل الاجتماعي من صعاب) ويردف قائلًا (إنها صعاب موجودة، تزداد وتنقص وتتعقَّد بسبب تطويع العمل للإدارة، لا تطويع الإدارة له). وفي ساحة مواجهة الفقر، تلك المعركة – حامية الوطيس - التي كان «معاليه» أحد جنود الوطن البواسل فيها. يقول (إن علاج مشكلة الفقر لن تتم بمحاولات مبنية على آراء انطباعية وخبرات شخصية محدودة، لا تتسم بالشمولية في النظرة والتحليل والعلاج، تلك النظرة التي عادة ما تقترح أساليب سريعة جزئية مفتتة، تلتفت إلى الأعراض والمظاهر أكثر مما تنفُذ إلى الأسباب التي تكمن وراءها، أو إلى تحليل العوامل المؤدية إلى ظهور تلك الأعراض أصلًا).
«معالي الدكتور علي النملة» لم يؤثر الدعة، ولم يركن إلى الراحة، ولم يهجر وطنه - الذي أحبه وأحبه – بل تأبط أوراقه وامتطى صهوة قلمه، مسهمًا في الندوات، ومشاركًا في ورش العمل ذات العلاقة بالتنمية الاجتماعية، دافعًا زكاة ثروته العلمية والثقافية والفكرية – الطائلة - بطيب خاطرٍ، بلا مَنٍ، وبدون أذى.
حقًا إن «معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة» يستأهل بكل مهارةٍ وجدارةٍ واستحقاق مزية «المثقف الاجتماعي».