المقالات و البحوث من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستشراق- الاستشراق الصحفي)

من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستشراق- الاستشراق الصحفي)
  • تاريخ النشر 2022-03-09م 1443-08-06هـ
  • عدد الزيارات 1517

المقال كامل

منذ انطلاقة الاستشراق من الأديرة والمعابد في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي على يد الباب سلفستر الثاني، كما يفضل الدكتور محمد ياسين عريبي، والحوار بين الشرق والغرب لا يزال مستمرًّا،إلا أن انطلاقة الاستشراق هذه جاءت تعضيدًا لحملات التنصير[1].

 

يقول محمد ياسين عريبي في كتابه المهم: الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي: "وبغض النظر عن التفاصيل والخوض في شتى العلوم العربية التي نقلت إلى الغرب عن طريق مدارس جنوب إيطاليا، كالطب والصيدلة والزراعة والكيمياء والميكانيكا والعلوم الطبيعية بصورة عامة والصناعة والفلسفة بفروعها، فإن الدافع الأساسي لنقل هذا التراث هو التبشير الذي اتخذ من الاستشراق وسيلةً تحقق الغاية؛ إذ إن معرفة الحضارة الإسلامية هي الأساس لانتصار الصليب على الهلال،وإذا كان الصليبيون قد ولوا الأدبار بعد صراع دامَ أكثر من مائتي سنة فإن الغرب قد انتصر بالفعل في هذا الصراع من خلال سلبه لحضارة الشرق،وهذا ما يفسر نشاط الترجمة في القرنين الثاني والثالث عشر"[2].

 

ثم يقول في الصفحة التالية: "وإذا كانت الأفكار أسبق من الظواهر، فإن استعمار البلاد العربية الإسلامية في (ق 19 - 20م) في طرف الغرب لم يكن إلا نتيجة لاستلاب الفكر العربي الإسلامي في القرنين السابقين، من ديكارت إلى كانط،وقد خطط التبشير والاستشراق لمثل هذا الاستعمار منذ البداية،ولعل أوضح صورة لهذا التخطيط ما نلمسه في مدارس الترجمة بالجناح الشمالي الغربي من الزاوية المنعكسة، وخاصة في مدرسة طليطلة"[3].

 

بقراءة هذا الكتاب يجد القارئ مادة علمية غنية جديرة بالمتابعة،على أن الكاتب مثل غيره لا يخلو من ملحوظات في طرحه من حيث انطلاقته الفكرية،هذا الطرح ما هو إلا امتداد للحوار بين الشرق والغرب، وإن هذا الحوار يصطبغ اليوم بقدر لا يستهان به من السطحية، حتى في مفهوم الاستشراق الذي يعتقد على نطاق واسع أنه سيعود إلى الأضواء بعد الذي حل بالعالم العام 1422هـ/ 2001م، ومن ذلك زيادة التحامل على العرب والمسلمين وعلى الإسلام نفسه بطريقة تناسب الزمان إلى درجة التدخل في فهم الإسلام وإفهامه للأجيال القادمة، كما تفعل بعض مراكز البحوث الغربية مثل مؤسسة راند بالولايات المتحدة الأمريكية،وهذا شيء خطر ينبغي التنبه له وإعداد العدة الفكرية لمواجهته من المختصين في الاستشراق.

 

من هذا الطرح السريع ما ظهرت به الكاتبة والصحفية الإيطالية أوريانا فلاتشي في كتابها "الغضب والاعتزاز"،والكاتبة فلاتشي ليست مستشرقة بالمفهوم الدقيق للاستشراق، ولكنها روائية وصحفية تجسد تحول الاستشراق إلى الإعلام والصحافة،وهي كانت مقيمة في نيويورك،ومع هذا صدر كتابها بالإيطالية، وترجم إلى الفرنسية[4]،وركزت فيه على الجالية العربية المسلمة في الغرب، ووصفتهم بأنهم قوم يلوِّثون القارة، فهم نفايات مغتصبون، وعهرة حاملون لمرض الإيدز، أينما حلوا ورحلوا،وهم يقومون بالتكاثر بيننا كالجرذان،وتنصح صويحباتها الأوروبيات برفس المهاجرين بالأقدام على قفاهم، كما قامت به هي، وتهين الإسلام إهانة مباشرة، وترى أنه هو سبب هذا الوضع للجالية[5].

 

وكانت فلاتشي تنشر مقالاتها هذه التي جمعتها في هذا الكتاب "الغضب والاعتزاز" في صحيفة بانوراما الإيطالية الواسعة الانتشار لمالكها برلسكوني، كما تذكر صحيفة الشرق الأوسط.

 

تذكر صحيفة الشرق الأوسط (الاثنين 22/ 3/ 1422هـ الموافق 3/ 6/ 2002م) أنه بِيعَ من هذا الكتاب، في إيطاليا وحدها مائة ألف (100،000) نسخة في أقل من شهرين، ومثل هذا الرقم بالفرنسية،وعملت الكاتبة على ترجمته إلى اللغة الإنجليزية.

 

تُذكِّر هذه الصحافيةُ بتلك الممثلة الفرنسية بريجيت باردو التي أطلقت كلماتٍ ووصفًا مقيتًا للمسلمين وطالبت بإخراج المهاجرين المسلمين من فرنسا، باعتبارهم ملوثين للثقافة الفرنسية، فأقامت الجالية المسلمة دعوى ضدها اضطرت معها للاعتذار.

 

أعان الله العرب والمسلمين على التعامل الموضوعي تجاه هذه الأوصاف التي تكالبت عليهم، فمرة هم ثعابين، واليوم هم جرذان،وأعان الله المعنيين في التصدي العلمي لمثل هذه الاتهامات التي لا تخلو من فائدة، لا سيما أنها أظهرت قدرًا واضحًا من الجناية على العرب والمسلمين، جعلت غيرهم ينظر إليهم نظرة أخرى فيها خير للناظر والمنظور؛ إذ تأثر بعض من قرأ قراءة موضوعية لفلاتشي، واستخف بها وبفكرها هذا الذي يعيد نبش التاريخ الذي تسعى حضارة اليوم إلى تجاوزه؛ لأن في نبشه مضرةً للغرب أكثر من كونه مضرة للشرق.

 


[1] انظر: محمد ياسين عريبي،الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي: نقد العقل التاريخي - الرباط: المجلس القومي للثقافة العربية، 199م - ص 142.

[2] انظر: محمد ياسين عريبي،الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي: نقد العقل التاريخي - المرجع السابق - ص 142،وانظر في مجال تأثير النقل والترجمة: علي بن إبراهيم الحمد النملة،النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية - ط 3 - الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، 1427هـ/ 2006م، ص 204.

[3] انظر: محمد ياسين عريبي،الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي - مرجع سابق،ص 143.

[4] انظر: فنسان جيسير،الإسلاموفوبيا - مرجع سابق - ص 66 - 73.

[5] ستكون هناك وقفة أخرى مع الكاتبة الصحفية الروائية أرويانا فلاتشي، عند الحديث عن المحدد السادس عشر: الإعلام.