المقالات و البحوث من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التنصير - المسؤولية)
يتعرض الطلبة الدارسون في الخارج إلى حملات التنصير بشكل واضح جدًّا،تبدأ الحملات غالبًا في معاهد اللغة، أو ربما بدأت في المكاتب المخصصة لرعاية الطلبة الأجانب في الكلية أو الجامعة،هذا عدا عن أفراد يقرعون أبواب المنازل، ويبشرون بالمسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - وربما كانوا أبعد من غيرهم عن تعاليم المسيح ابن مريم - عليهما السلام - مع ما اعترى تعاليم المسيح ابن مريم - عليهما السلام - من تدخلات البشر.
وكنت في شقتي الصغيرة بالولايات المتحدة الأمريكية يومًا عندما قرع عليَّ الباب مجموعة من الرجال،نظرت إليهم من منظار الباب فوجدت أشخاصًا عليهم سيماء طيبة وثياب مألوفة، فعلمت أن هؤلاء مسلمون،فتحت الباب ورحبت بهم، وكانوا من الإخوة الهنود والباكستانيين وبعض المقيمين من مسلمي الولايات المتحدة الأمريكية يجوبون البلاد، ويذكرون الناس مبلغين إياهم ضرورة التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان من بينهم رجل يلبس الثياب الهندية، ولكنه من الأمريكيين، فدفعني الفضول إلى سؤاله عن الطريق الذي وصل منه إلى الإسلام، فأجابني الرجل أنه دخل الإسلام عن طريق التنصير، فعجبت كثيرًا،وبدا عليَّ العجب، وقدر عجبي،فقص عليَّ خطواته الأولى نحو التعرف على الإسلام[1].
هذه ليست هي الحال الوحيدة التي يهتدي فيها منصرون إلى الإسلام ثم يتحولون إلى دعاة؛ فقد حدث هذا في إفريقيا، ويحدث الآن في أماكن كثيرة،وتكاد تكون هذه المسألة هنا ظاهرة تستحق الدراسة والمتابعة؛ فاهتداء النصارى واليهود وغيرهم أمرٌ ليس غريبًا أو عجيبًا، ولكن اهتداء من حملوا على عواتقهم مهمة الدعوة إلى دينهم أمر يستحق التوقف حقًّا[2].
المراد من ذكر هذه الظاهرة في إسلام المنصرين والقسس الوصول إلى نتيجة قد تكون قابلة للتعميم، فنحن نتحدث عن الوسائل التي يستعين بها المنصرون في حملاتهم، ومن هذه الوسائل نذكر الحقد المكين والتقليدي على الإسلام، من قبل أولئك الذين يدرسون الحروب الصليبية، ثم يريدون لها أن تمتد حربًا صليبية تأخذ أشكالًا أخرى من السلاح غير الشكل الذي كانت عليه الحروب الصليبية السابقة.
وندرس ضمن هذه الوسيلة الاستعداد الذاتي لدى المنصرين، ورغبتهم في السفر والاختلاط بالأمم الأخرى التي يراد لها أن تتنصَّر، وما يتبع هذا الاختلاط من التخلي عن سبل الرفاهية التي عاشت عليها الأمة الغربية، وندرس ضمن هذه الوسيلة أيضًا إيمان بعض المنصرين بما يدعون إليه إيمانًا عقديًّا.
ثم تأتي هذه الظاهرة على صورة حالات متشابهة لتنبهنا إلى أن علينا عدم التعميم في الأحكام؛ فليس كل من يشترك في حملات التنصير مؤمنًا بما يقوم به، وليس كل من يشترك في حملات التنصير حاقدًا على الإسلام والمسلمين، ولكن جماعةً من هؤلاء مضللون، لديهم الرغبة في نشر الخير، فلم يجدوا وسيلة أمامهم إلا حملات التنصير، فلما يتبين لهم الحق يتركون ما هم عليه ويتبعون الحق.
يلقي هذا عبئًا آخر على الدعاة إلى الله في أن يجِدُّوا في اتباع السبل الحديثة المشروعة في الدعوة إلى الله، وأن تكون هناك لقاءاتٌ مع مجموعات المنصرين، تكون فيها حوارات ومناظرات وحِجَاج ونقاش،ولا يستغرب المرء أن تتحول هذه الجهود والإمكانات التي يقوم بها المنصرون في مصلحة الإسلام، ولا يستغرب المرء كذلك أن تتحول مجموعاتٌ من الأعضاء في الجمعيات التنصيرية إلى الإسلام، إذا ما اتضح الإسلام لهذه الجمعيات والمجموعات.
وعليه، فإن مجرد التوعية بأخطار الجمعيات التنصيرية المنتشرة اليوم قد لا يكون كافيًا، بقدر ما تكون البدائل متوافرة،ومن هذه البدائل التوجه إلى هذه الجمعيات والجماعات، وانتزاع المضلل منهم، والتشكيك في المصممين منهم، وتشكيكهم هم بجدوى ما يقومون به على المستويين الدنيوي والأخروي، لا سيما أنهم يعانون من ضحالة الاستجابة إلى جهودهم.
وهذه مسؤولية تضاف إلى المسؤوليات المناطة بالقيادات السياسية في العالم الإسلامي، وبالدعاة إلى الله تعالى، الذين آلَوْا على أنفسهم مزاحمة الباطل بالحق، وإنقاذ الأمم الأخرى من الضلال ومن الدعاة إلى الضلال،وتبقى المقومات والإمكانات الأخرى المطلوبة في سبيل القيام بهذه المسؤوليات تحتاج إلى التنبه لها، فتكون للدعاة مصادر للدعم والتمويل والعون وتذليل الصعاب.
[1] ذكرت هذه القصة في كتاب: التنصير: المفهوم - الوسائل - المواجهة - مرجع سابق - ص 60.
[2] انظر: محمد بن ناصر الطويل،إسلام القساوسة والحاخامات - مرجع سابق - ص،وانظر أيضًا: محمد عزت الطهطاوي،لماذا أسلم هؤلاء؟ قساوسة ورهبان وأحبار مستشرقون وفلاسفة وعلماء - مرجع سابق - ص 194.